منذ عمر التسع سنوات اكتشف موهبته وشغفه بالفن التشكيلي، فتزاوجت رقة طفولته برقائق خشبية من الطبيعة الخلابة ليكبران وينضجان سوياً، فصنع من اللاشيء كل شيء وتحققت الأحلام الوردية لتصبح حقيقة فنية ويثبت تميزه ويلقى إبداعه الصدى من لبنان إلى كل العالم. كيف كانت البداية، كيف يصف عمله، ماهي طموحاته، وماذا عن مشاريعه المستقبلية؟ هذا ما سيخبرنا عنه الفنان التشكيلي حاطوم مفيد حاطوم.
– بدأتم منذ الصغر في ممارسة الفن التشكيلي. كيف كانت البداية وكيف وصلتم إلى ما أنتم عليه اليوم؟
كان أحد أقربائي – ابن خالي – نجاراً وعندما كنت في التاسعة من عمري طلب مني مساعدته في التحضير لغرفتي نوم كان عليه تسليمهما بأسرع وقت حيث كان يعمل على تلبيسهما برقائق خشبية من الجوز.منذ ذلك الحين استهوتني الفكرة حتى أنني كنت لا ألبث الإنتهاء من الدوام المدرسي لأذهب مسرعاً إليه لكي أساعده في هذا العمل الشيق.لكن في البداية لم أمتهنه بل سافرت إلى السعودية وبعدها إلى أميركا وأصقلت موهبتي بالدراسة من خلال التسجيل في دورات تدريبية في معاهد متخصصة، لاحقاً عملت في محلات الأنتيك الحرفية فكسبت خبرة مهنية في هذا المجال.من هنا كان التأثر في الدمج ما بين الفن الشرقي والغربي إلى أن تعرفت على شريكي الفنان المغربي محسن العيادي الذي أصبح بيننا تزاوج عقلي فبدأنا بالعمل سوياً.
– هل وجدت تقبلاً وتفاعلاً من قِبل الناس والمجتمع لهذا النوع من الفن ؟
امتهنت هذا الفن منذ فترة طويلة لكن فعلياً بدأت العمل مع شريكي منذ 1995، وفي ذاك الوقت كان قد بدأ الفن التشكيلي يسير نحو طريق الزوال، ففي أميركا لم تعد هناك شركات متخصصة في هذا الفن خاصة أنه في زمن العولمة أصبح هناك أقليات ممن يقدرون الفن التشكيلي، وللأسف حتى أهلي لم يقدروا فني.
– تركز في عملك على صناعة طاولات البليارد. هل تستهويك هذه اللعبة؟وهل هناك من إبتكار جديد غير ذلك؟
منذ عدة سنوات تعرضت لحادث، فآويت الفراش لفترة طويلة، وكنت أنتظر أن أحصل على تعويض مادي لكي أغطي تكلفة عملي، وفي ذاك الوقت كنت في صدد التحضير للعمل. في البداية كنت أريد تصميم سرير على مستوى راقٍ فيه مزيج من الطراز الأوروبي والشرقي، أما شريكي فكان يعمل في شركة بليارد في أميركا، فقررنا البدء بطاولة البليارد لأنها مكشوفة أكثر من السرير فوضعنا التصميم وبعدها نفذنا العمل على ثلاث طاولات.بدأنا العمل تحديداً بتاريخ 16 شباط 2003 وكان معنا شخصاً ثالثاً فليس من السهل إيجاد يد عاملة تجيد هذا العمل في أميركا ولكي تكن تحفة حقيقية يجب أن نعمل عليها بأيدينا “Hand Made” وكل طاولة تحتاج إلى تسعة أشهر لإنجازها. صممنا أول طاولة على شكل شرقي وجهزنا طاولة للعصي معها و منذ إختراع هذه اللعبة نحن الوحيدين الذين ابتكرنا طاولة بليارد مع أخرى للعصي بذات التصميم.والطاولة الثانية كانت ” تاج محل ” بتصميم إغريقي.أما الثالثة فأسميتها “فرعون” لأنه رمز القوة والضخامة حيث تتكون الطاولة من ألفين هرم إلا أن تسميتها كان قراراً غير صائب حيث كنا نريد إهدائها لأحد الحكام فتحفظ على هذه التسمية لذا كان من المفروض تسميتها “Pyramid” لكني لا أندم على أي أمر.
كما قد صممت لوحدي طاولة “Two Brothers” استغرقت مدة ستة أشهر تقريباً.إقتبست تصميمها من مبنى اشتريته عام 1992 عندما أرست علي مناقصة لكي أهدمه، وفي ذاك المبنى رُسمت الشيوعية عام 1880 وطُبقت في الإتحاد السوفياتي.وهذه الطاولة ترمز إلى العقائد،أريد تقديمها إلى رئيسي الثاني- فرئيسي الأول العماد ميشال سليمان- والثاني هو الرئيس أوباما وهو الرقم الأول في لعبة البليارد، وحلمي الوصول إلى البيت الأبيض وأطمح أن أضع فيه هذه القطعة المميزة التي لايستطيع أحد تصميم ما يشبهها.
أيضاً أصمم الإطارات ( كادرات ) وبدأت العمل عليها ليس لوضع الصور الشخصية بداخلها إنما لتجميع صور لأحداث سياسية وتاريخية عالمية ووضعها في معرض بمثابة أرشيف مثلاً وضعت في أحدها صورة لإنهيار مبني التجارة العالمي في نيويورك – أحداث 11 سبتمبر- ووضعت في إطار صورة للشهيد رفيق الحريري حيث أخذ مني وقتاً وجهداً فلم يكن لدي الوقت الكافي لوضع التصميم بل بدأت بالتنفيذ فوراً.
– هل تقيم معارض؟
نعم فكان أول معرض لي ولشريكي في نيويورك وكان على مستوى عالٍ جداً وكنت الرقم الأول فيه من حيث الفخامة والعمل الراقي، وكان معي Black berry وغيرها.ولكن للأسف لم آخذ حقي وتعرضنا لتعتيم إعلامي حيث كان من المفترض أن تغطينا إعلامياً ثلاث جرائد وثلاث محطات تلفزيونية إلا أننا غُيبنا وذلك لأننا عرب في دولة أميركية.
– إلى أي مدى تحتاج هذه المهنة المليئة بالإبداع إلى صفاء وهل تؤثر مشاكل معينة على مزاجك الفني؟
حينما أجلس مع شريكي ونفكر في العمل أو بتصميم معين نكون في قمة تركيزنا ونشعر بسعادة ولذة وشغف ويسحبنا هذا الفكر والإلهام إلى أبعد حدود التركيز في هذا العمل لننفصل عن أي أمر آخر.
– ماهي الطقوس التي تتبعها خلال ممارسة عملك؟
أسمع الموسيقى مثل أغنيات السيدة أم كلثوم أو الراحل عبد الحليم أو الموسيقار عبد الوهاب، أيضاً الكلاسيكية ( موزار- بيتهوفن إلخ…).هذه الموسيقى للروح وليس للجسد تساعد أكثر على الإبداع وتبعد عن الملل.
– ما رأيكم في هذه الشراكة في العمل؟
أنا وشريكي مثل الشراكة الزوجية ونكمّل بعضنا البعض لإنجاز عمل مميز ولربما خُلقنا لنكن سوياً في هذا الفن في وقت لا نجد فيه آخرين مثلنا.
– هل تجدون لكم منافسين في هذا المجال وفي سوق العمل؟
ليس هناك من منافسين لنا لا محلياً ولا إقليمياً ولا عالمياً إنما نحن من نخلق منافسين لنا من خلال تحدينا لذاتنا باختيارنا تصاميم أصعب لإنجازها.ولا يوجد في السوق طاولات أفخم من طاولاتنا خاصة أنها مكتملة مع “العائلة” كلها أي طاولة البليارد مع أخرى للعصي وكرسي وطاولة بار.
– هل أنتم راضيين لما وصلتم إليه اليوم؟
هذه البداية والإنسان بطبعه طماع،لكن أنا وشريكي لدينا شغف في عملنا ونطمح للوصول إلى أكثر من مكانتنا اليوم وحتى لو عشنا مئة وخمسين عاماً سيبقى هذا العطاء لأن الأفكار دائمة التدفق ولا تنتهي ويستمر الخلق والإبداع.
– هل تتوق لإستلام جوائز؟
في البداية لم أكن أفكر في ذلك لكن عُرض علينا مشروع بأن نقدم طاولات من تصميماتنا ونستلم بعدها جائزة على مستوى عالٍ.لا أطمح بنيل الجوائز، لكن في حال عُرض عليّ لا أمانع في ذلك.وهناك من بادر بهذا الأمر إنما أصبح هناك مماطلة من الطرف الآخر وليس من طرفنا.
– أتفكر في إفتتاح معهد فني لتدريس هذه المهنة وتكريس خبرتك للآخرين؟
أحلم بذلك منذ أن امتهنت الفن التشكيلي، ففي المغرب قمت مع شريكي بافتتاح “Atelier” ليس لتعليم هذه الحرفة إنما بسبب رخص اليد العاملة في المغرب مقارنة بإياها في نيويورك أيضاً لأن الشباب المغربي أكثر وأسرع إستيعاباً لهذا النوع من المهن، لكن للأسف أدخلنا شريكاً ثالثاً معنا حاول سرقتنا وهو مطلوب قضائياً.وفي لبنان أطمح بافتتاح معهد وإنشاء معمل متخصص، فمنذ زمن كان هناك فنان هو الرقم الأول في لبنان ولا يضاهيه أحد في هذا النوع من الفن هو الراحل مارسيل توفيق بطرس الذي كان يصمم تحف ومفروشات من رقائق خشبية وكان يملك محلاً ومعهداً لكن أحداً لم يقدر فنه ولم يقف بجانبه ما أدى به إلى إنهاء حياته لكي لا أقول إنتحر.
– هل تقلقون على مصيركم لكي لا يكن شبيهاً بمصير الراحل بطرس؟
كلا فأنا ” لا أروح كما راح مارسيل بطرس ” بل أقوم بضجة إعلامية لأروج لعملي وألفت النظر على عملي وتميزي.
– منذ فترة قدمتم مشروع تحت عنوان ” لماذا لا نستثمر الطاقات داخل السجون”.
أين أصبح هذا المشروع؟
استطعت الوصول إلى معالي وزير الرياضة والشباب الأستاذ فيصل كرامي الذي رحّب بالفكرة ووعدني بأن يوصل ملف المشروع إلى معالي وزير الداخلية والبلديات.والغاية من هذه الفكرة هي استثمار الطاقات الذهنية والجسدية للسجين فهو لا يعاني من مشاكل حياتية كالضغط اليومي لتأمين لقمة العيش لذا في حال كلفناه بمهمة ما أو عمل معين سيجيد فعله خاصة أن هذا النوع من العمل دقيق ويحتاج إلى صفاء ذهني. بالإضافة إلى أن هذا المشروع ليس فقط للسجناء إنما للأحداث أيضاً وفيه إفادة وخدمة للمجتمع لأنه يعلم مهنة تتفرع منها أربعة عشرة حرفة مثل النجارة، الدهان،الحف، الحفر، التنجيد، تلبيس القشرة وغيرها…فعندما يخرج الحدث من الإصلاحية يستطيع إمتهان إحدى هذه الحرف عوضاً عن تشرّده.
وحاولت الإتصال بعدها بمعالي الوزير لكنني لم ألقى جواباً وذلك لأن الوضع الحالي يتطلب الإهتمام بأولويات أخرى لذا نأمل أن يتحسن عما قريب لنستطيع تنفيذ هذا المشروع.
– كيف ترون وضع الفن التشكيلي حالياً في لبنان والعالم العربي والعالم بشكل عام بما أنكم متواجدون في الدول الغربية؟
هذا الفن ليس محدوداً بالرسم مثلاً إنما هو ثقيل بمعنى أنه يأخذ مجهوداً بكلفة مادية ووقتاً مكثفاً بالنسبة لتصميم طاولة بليارد أو إطار أو مفروشات أو حتى بالتلوين فهناك رقائق خشبية ملونة طبيعياً كالورد والجوز والبابونغا وأخرى ندهنها للحصول على لون فاقع ولمزيد من الإبتكار.وهناك العديد من الفنانين التشكيليين في العالم وأحب أن أتماشى مع هذا الفن لكن لا أحب تقييم الآخرين.وهناك مشكلة في مجال عملنا ألا وهي أن عملنا محصوراً بالطبقة المخملية والمليونيرية في المجتمع وليس من السهل الوصول إليها.
– هل تتعاون معكم الصحافة العربية والعالمية؟
ليس هناك من تغطية إعلامية على أعمال الفن التشكيلي، ففي المعرض الذي أقمته في نيويورك قد حاربتني الصحافة وعندما تواصلت مع مندوبي الإعلام العربي لم أجد تعاوناً من قِبلهم، إنما بعد المعرض قد قام الإعلام المحلي بالتغطية.
– ما هي مشروعاتكم المستقبلية؟
إن أحلامي أكبر مني بكثير والحلم يتحقق مهما كان كبيراً ومشروعاتي عالمية في إيران، تركيا، الهند، أوروبا وأميركا.وأطمع لإفتتاح “Atelier” ومعهد فني متخصص وتطبيق مشروع إستثمار الطاقات داخل السجون.وأتمنى تقديم مشروع تشييد مبنى سياحي ورياضي وترفيهي على شكل طاولة بليارد في دول الخليج ليكن بمثابة متحف وفيه أماكن للعب وأخرى ل “SPA” وتقام فيه مباريات دولية للعبة البليارد.ومشروع مماثل له في السعودية مع بناء مدرسة أو معهد فني في داخله لإستثمار الطاقات الشبابية فيها وتعليمها الفن التشكيلي وما يتفرع منه من حرف يدوية.أيضاً أطمح بإقامة مزاد علني تباع فيه طاولة ” فرعون” المتواجدة في نيويورك والتي تقدر تكلفتها ب 125$ مع خزانة العصي ليعود ريعها للمشردين في لبنان، وهدفي من ذلك هو رسالة إنسانية وإثارة ضجة إعلامية. كما كنت أحلم بتقديم طاولة بليارد لدولة الرئيس الأستاذ نبيه بري فمنذ 2006 أسعى للتواصل مع مكتبه وحالفني الحظ لأن أراه قبل ثلاثة أشهر وطلب مني تنفيذ تصميم إطار لصورة للإمام السيد موسى الصدر.
ختاماً نقول: ان أعمال حاطوم مفيد حاطوم قائمة بذاتها، وفيها صدقية متباهية، يرتاح لها الاحساس، يبث في الخطوط حياة نابضة، يزيد الحياة المتوارية خلف الألوان نبضاً، حيث نشاهد البراءة في المضمون، وفي ذلك صفاء وعذرية وعذوبة تحافظ على نقاء العمل وتبعده عن بريق التصنع المستهلك…
WWW.REDCASTLEART.COM
email: Hatoum@redcastleart.com
96171453145+ :phone