السلطة في المفهوم التاريخي بقلم: الدكتور وليد عربيد استاذ في الجامعة اللبنانية، واستاذ محاضر في كلية القيادة والأركان، ومحام بالإستئناف.

Tuesday, 10 May 2011, 12:38
593 views

تطرح اليوم على الساحة العربية مجموعة من الاسئلة عن مفهوم السلطة  وتاريخها. فهل تطرح حركة الاحتجاجات الشعبية القائمة في عدد من الدول العربية مفهوما جديدا لقراءة تحمل في طياتها معان جديدة في مفهوم السلطة وتداولها؟
هل تمنح هذه الأسئلة المطروحة اليوم الحكم وآلياته وعمله فرصة تاريخية بالمعنى الحقيقي للسلطة وتقديمها بمفهوم جديد امام المواطنين ليتم الحديث عنها فيشكل حق عادل قائم على تساوي الفرص بين ابناء الشعب؟ فهل ننتقل من مفهوم السلطة الى مفهوم الدولة؟ و هل يتم في قراءة تاريخية للسلطة ايجاد حلول من اجل تأسيس جديد اكثر تطورا يبنى على احترام القّيم في مفهوم جديد لبناء دولة في رؤية مستقبلية ترتكز على الحداثة.
ان السؤال الأكثر الحاحا قد يكون حول السلطة من حيث هي قيمة الى السؤال عن السلطة من حيث هي فعل تاريخي، اي فعل مشروط بالتاريخ وفعل في التاريخ كما يشير الى ذلك المفكر ناصيف نصار. والسلطة تمثل واحدة من اهم القضايا التي شغلت الناس والجماعات والنخب والقادة بأعتبارها احد مداخل الأصلاح والتغيير للانتقال الى نظام حكم ديمقراطي، فالناس يطلبون السلطة ويتصارعون من اجلها، وهم محكومون بظروف مختلفة، ليس فقط لتلبية حاجات ذات منفعة خاصة، بل ايضا لتقرير مصيرهم في التاريخ حيث تتخذ الحاجات الذاتية مسارها الحقيقي. الوصول الى السلطة في التاريخ كان و لايزال وسيلة معلنة للاصلاح والتغيير والعدل ومبررا للنزاعات والحروب والصراعات بين الدول والامم والآسر والجماعات. ولعّل الأتجاه من هذا المنطلق يقودنا نحو العمل السياسي الأصلاحي في المنطقة العربية الذي لم يأخذ في الأعتبار ان العالم العربي بعمقه التاريخي لم يعمل كثيرا بآليات تنظيم انتقال السلطة وتداولها على اساس سلمي وعادل يعطي الفرصة لجميع الناس بالتساوي في التنافس على السلطة واختيار الحاكم.
تستلزم السلطة في معناها الفلسفي آمرا و مأمورا وآمرا له الحق في اصدار أمر اى المأمور، ومأمورا عليه واجب الطاعة للأمر وتنفيذ الأمر الموجه اليه. لكن للآمر والمأمور واجبات وقوانين، لذلك من البديهي ان نتطرق، بشكل واضح للمعنى الحقيقي للسلطة وبمعناها العام، اي الحق في الأمر.
في سبيل ذلك، و لوضوح في ادراك معنى السلطة، ينبغي علينا التمييز بينها وبين السيطرة، فاذا تم استعمال السلطة بطريقة مغايرة لمعناها الحقيقي فانها بالتالي ستتجه الى ممارسات مختلفة مما يعرضها للأرتباك والتصدع والتلاشي، و قد تنتهي هذه السلطة الى الأنهيار.
وقد يكون المعنى الحقيقي للسلطة هو الأرتباط بمسار تاريخي يدخل في دنيا الانسانية من الناحية الاجتماعية ومن الناحية السياسية ايضا. ويمكن بالتالي اعتبار نظرية مصادر السلطة بمثابة سلطة قائمة في دنيا الانسان ترجع الى الطبيعة، او الى التعاقد، او الى التفويض. ان السلطة التفويضية تدخلنا الى عالم السلطة من ابواب أخرى، حتى ندرك اهميته وتستوعب بذلك ظاهرة السلطة في الوجود الانساني. فعندما يتسلم الانسان سلطة معينة، يحتاج الى الشعور بأن الحق في الأمر الذي يتسلمه متوافق مع مقتضى العدل. فكل سلطة تواجه منذ لحظة قيامها، سؤال العدل، لأنها حق، والعدل وضع حقوقي، فلا بد للسلطة الى الأتجاه في تقييم دورها بالنسبة الى العدل ونسبة العدل اليها.
لذا، فان تحليل مفهوم السلطة قد يكشف عن وجود العدل فوق السلطة ومعها. أنه فوقها بوضعه مبدأ وقيمة قانونية، ومعها بوضعه محتاجا لها وصنيعا من صنائعها.  من البديهي ان إظهار هذه الحقيقة في كشف نوع من السلطة لكي يؤدي بنا هذا التحليل وفي اكتشاف الترابط الخاص بينها وبين العدل.
في المعنى الحقيقي للسلطة ايضا يجب الإصغاء الى صوت العقل ضمانة للعدل، لكن ارادة العدل لاتكفي وحدها لتجنب الاصغاء الى صوت العقل بل هي تحتاج في ذلك الى تحقيق جملة من الاهداف القانونية. ان الصورة الحقيقية لمعنى السلطة تبين للرأي العام اتجاه التعامل الصحيح مع السلطة كقيمة. هذه الصورة تمثل بنظرنا نوعين من طلب السلطة. الاولى على اساس الاستحقاق والثانية على اساس الاستيلاء، وتحويل الاستيلاء على الحكم الى سلطة فعلية خالية من الأغراءات والصفقات والضغوط والترهيب، التي يلجأ اليها الحكم لترسيخ حكمه  توسيع قاعدة الدعم له، ربما يكون ضمانة لبناء العدل.
في نهاية السياق من اجل رسم صورة اكثر تعقيدا وتفصيلا لنظام الحكم التسلطي المطلق، ومن اجل ادراك الحدود التي تحول دون التسلط الى سلطة. فالحق ليس موجودا في اعطاء الأمر بدافع اليطرة وارادة السيطرة بدليل ان الحق موجود في كيان الانسان. وبهذه الصفة يجب السعي في العالم العربي من الوجهة التاريخية في الابتعاد عن الطابع الوحشي في الصراع على السلطة و الى تعزيز الأتجاه اكثر واكثر نحو الطابع الحضاري. ان تداول السلطة في الوطن العربي يجب ان يقوم على اساس تنافس سلمي كما يؤشر الى ذلك المسار التاريخي الديمقراطي لأنتقال السلطة؟
انطلاقا من كل ماتقدم يبقى السؤال عن السلطة من حيث هي قيمة الى السؤال عن السلطة من حيث هي فعل تاريخي، اي فعل مرتبط بالتاريخ و فعل مشروط في التاريخ. فكثير من الناس تطلب السلطة و تتصارع من أجلها، وهم محكومون بعوامل مختلفة ليس فقط للوصول اليها، بل من اجل تقرير مصيرهم عير التاريخ.
ويعكس تاريخ السلطة في الوطن العربي، لاسيم وان لبنان دولة من دوله مجموعة من القضايا. فهناك انفصال في التاريخ العربي بين الفكرة والواقع في ما يخص السلطة وتداولها، فبقدر ما توصلنا اليه في شرح شفافية المعنى الحقيقي للسلطة من جانبها النظري، نراها في الرؤية التطبيقية تتخذ منحى آخر يؤدي اختلافها جذريا عن معناها الحقيقي وذلك بسبب حصر السلطة في يد العائلات و الاقطاع والآسر التي تتحكم بالسلطة بطرق أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كما في الأمس هو هل ان غلبة حكم الآسر والعائلات التي كانت تتولى السلطة و ينتقل الحكم فيها الى الأبناء و الأخوة والأقارب بات قضية دائمة لا مفر منها؟ تجدر الاشارة الى التاريخ الاسلامي عرف تجربة رائدة دامت حوالى ثلاثين سنة بتداول السلطة ليس عملا بالوراثة بل بالشورى وتم تطبيقه على اربعة خلفاء( الخلفاء الراشدين)، لكن هذه التجربة فشلت ودخل العالم العربي مرحلة العائلات والتوريث السياسي وهو المتبع في المجتمعات الانسانية جميعها تقريبا. لقد بقيت فكرة السلطة وتداولها عند العرب تصطدم بمناخ الجمود في صد فكرة تطوير السلطة نحو حكم العدالة، بينما قامت الدول الاوروبية بتطوير نفسها فالنظام الملكي اتجهت دول نحو الفصل بين الملك و الحكم و الدول الآخرى نحو نظم سياسية ديمقراطية تقوم على اختيار الحاكم على اساس الانتخابات الشعبية بالاضافة الى نظم سياسية يتناسب مع فكرة السلطة لدى الشعوب.
ان خريطة السلطة القائمة في الوطن العربي منذ نشوء الدول الحديثة تحافظ على و ضعها من دون تغيير، كما هي الحال بالنسبة الى الدول التي استبدلت نظمها و اتجهت نحو الجمهوريات، ولم يتغير التعاطي مع السلطة فتحولت من حكم العائلات الى حكم الأفراد الذين ربما يؤسسون الى حكم عائلي تحت شعارات فضفاضة من الديمقراطية الى القومية. لذلك، ان تاريخ السلطة في العالم العربي أتخذ ملامح يحكم فيه ابطال الأنقلابات العسكري منذ استقلال الدول عن القوى المستعمرة، اذ ان هذه الأنقلابات قد غيرت من طبيعة تركيبة الحكم والسلطة التي ادت الى تغييرات عميقة اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية. وبالرغم من ان مفهوم السلطة وتداولها في الدساتير العربية قد حدد القاعدة القانونية لمسيرة الحكم، لكن اغلب الدول التي شهدت انقلابات عسكرية في نظمها السياسية عدلت مواد الحكم فيها بما يخدم توجهات القوى المسيطرة على مقاليد الحكم. ويمكن النظر ايضا الى ان هناك دولا عربية لم تضع الى الآن دساتيرها من اجل تداول السلطة…
اللافت في الأمر وبرغم انه تجري انتخابات نيابية في كثير من الدول العربية او معظمها لكن ذلك لم ينتج قيام سلطة حقيقية في الدولة ومازال دورها يقتصر على الرقابة وتقديم المشورة والرأي، و هذه الأنتخابات في ظل حكم وراثي او استبدادي او في ظل النفوذ واحتكار السلطة بتعزيز الفردية والعسكرية بزينة برلمانية قادت الى استلاب السلطة وتداولها نحو التفرد بالحكم تحت عناوين عديدة ومنها الحزب القائد.
في نهاية المطاف، ان الحديث عن مستقبل السلطة و تداولها و المشكلات و المعوقات التي تمنع قيام ديمقراطية حقيقية تفسح المجال للمواطنين اختيار حكامهم وممثليهم ومحاسبتهم اسوة بمعظم شعوب العالم ومجتمعاته. تطرح التساؤل، هو من مقدور الجماهيلر العربية التي تحركت مجددا في بعض الدول حاملة لواء الاحتجاجات الشعبية على نظم سياسية تفردت بالحكم لفترة طويلة من الزمن بمقدورها استعادت السلطة وتداولها؟ وفي بناء مجتمعات عربية جديدة قادرة على الآجابة عن الأسئلة الحقيقية لمفهوم السلطة. لذلك، ان قدرة الأنسان في سياق ما طرحناه عن معنى السلطة الحقيقية بربط اشكالية العدل والعقل في السلطة لبناء مجتمع عربي غايته مشروع شامل لحضارة انسانية متجددة في عروبة متجددة ايضا ترتكز الى مفهوم الحداثة القائم اليوم في التحولات الحاصلة على الساحة الدولية. فالعالم العربي الذي كونته قرون طويلة من التسلط و الاستبداد قد يكون بأستطاعته اليوم افراز تنسئة سياسية و اجتماعية تكرس لدى العرب قيام سلطة حقيقية تمتثل الى قيادة الحكم بالعدل و العقل في الممارسة…
يبقى أخيرا، ان انظمة الحكم في العالم العربي، تقوم على مفهوم للسلطة لايسمح باحداث تغيير جذري او اجراء اصلاحات في بنية الحكم. ولذلك فان السلطات العربية عاجزة عن الدخول في اصلاحات لأنظمة الحكم بسبب خوفها من فقدان السيطرة، فتلجأ الى اشكال من العلاقاتداخل بلدانها، مايؤدي الى صعود مجموعة من المثقفين يلتفون حول السلطة وفي مقدمهم رجال الأعمال.
في الخلاصة، لابد من العودة الى قواعد الديمقراطية لبناء السلطة على طريق بناء الدولة التي تنظم العلاقات السلطوية وتبادل الحكم من خلال الانتخابات، فالدول العربية محكومة اليوم بالدخول في عملية اعادة النظر بكل انظمة الحكم للخروج من ابدية السيطرة الفردية او الأبوية.

Leave a Reply

إضغط هنا

Latest from Blog

OMG!OMG!:Проблемы с доступом к OMG! Маркетплейс

Ищете рабочую ссылку на OMG! Маркетплейс? В последнее время это стало сложной задачей из-за частых атак на платформу, особенно в выходные дни. Пользователи сталкиваются с трудностями при попытке получить доступ к сайту

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ОНИОН ССЫЛКА | КРАКЕН DARKNET ОНИОН ССЫЛКА НА САЙТ | KRAKEN САЙТ ДАРКНЕТ Модерация КРАКЕН ССЫЛКА ДАРКНЕТ ОНИОН: Баланс между анонимностью и безопасностью https://kra-31.cc Что такое ссылка КРАКЕН онион даркнет

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ONION| KRAKEN ССЫЛКА ДАРКНЕТ ONION| KRAKEN ОНИОН ССЫЛКА DARKNET Как Стать Анонимным НА КРАКЕН ДАРКНЕТ ССЫЛКА: Руководство для Новичков? https://kra-31.cc Как Стать Анонимным в КРАКЕН ССЫЛКА: Руководство для Новичков kraken

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном
Go toTop