رادار نيوز – بين إقفال منفذ «سلوى» الحدودي البري الوحيد بين قطر والمملكة العربية السعودية في الأول من أمس وإقفال معبر «التنف» على الحدود السورية العراقية أكثر من رسالة في أكثر من اتّجاه.
منفذ «سلوى» الحدودي فَصَل قطر عن عمقها العربي حتى إشعار آخر وألغى دورها كرأس جسر إيراني باتّجاه العمق العربي وأبقى عليها كحاضنة لقاعدة العديد الأميركية دون أي وظيفة أخرى. القاعدة الجوية الأميركية هي ضابط الإيقاع لأي نشاط قطري بعيداً عن أوهام أنقرة وإيران بالإستثمار في الخلاف الخليجي.
إقفال معبر «التنف» الحدودي الذي أثبتت الولايات المتّحدة وحلفاؤها في المعسكر المقابل لإيران جديّتهم في رسم خطوط حمراء حوله، لمنع سقوطه، عنوانه إقفال الطريق السريع بين طهران ودمشق وبيروت عبر بغداد، ووضع مقولة الهلال الشيعي والسيطرة على العواصم العربية على طاولة البحث. إسقاط الدولة الإسلامية التي تترنح في المدينة القديمة في الموصل على يدّ وحدات الجيش العراقي وفي الرقة السورية على يدّ قوات سوريا الديمقراطية التي يدعمها التحالف الدولي، أصبح العنوان الوحيد للمرحلة القادمة، ومن هنا يُقرأ تسابق وحدات الجيش السوري والميليشيات الإيرانية ومن خلفهم روسيا على الإشتراك في قتال تنظيم الدولة، الهدف طبعاً ليس إسقاط التنظيم بل إمساك بالطريق الرئيس الأخير الذي يربط سوريا بالعراق عبر معبر «البوكمال».
تبعثرت كلّ الترتيبات التي سبقت قمّة الرياض، سواء تلك التي توصل إليها الأطراف الذين اجتمعوا في آستانة، أو تلك التي بقيت دون مستوى التفاهمات في جولات جنيف العديدة، وبمعنى آخر أنّ تفاهمات ما قبل قمّة الرياض أضحت غير قابلة للتنفيذ. مشروع «مناطق خفض التوتر» الذي أُقرّ في آستانة وأيّدته واشنطن محكوم بالزوال، فالمنطقة الخاصة بالغوطة الشرقية أصبحت بحكم الساقطة بفعل التدمير اليومي المتمادي فيها والمنطقة المخصصة لحمص تُسقطها كل يوم وقائع الميدان في محيط تدمر والبادية السورية، كما تشهد منطقة درعا تركيزاً من قبل وحدات النظام للسيطرة عليها لإسقاط كلّ أمل بشمولها بإتّفاق الآستانة. تلاشت إذاً كلّ الإتفاقات الروسية مع شركائها تركيا وإيران حتى ولو حظيّت بنوع من الرضى الأميركي. وفي الشمال يظهر غياب أي دور تركي وروسي وإيراني في معركة تحرير الرقة مما يُقصي كلّ الشركاء في قتال داعش عن أي دور خارج مضبطة الشروط الأميركية. ربما تراءى في مرحلة سابقة أنّ مناطق خفض التوتر ستتحوّل إلى مناطق نفوذ تُرسي نوعاً من التفاهم الدولي على مستقبل القوى المتصارعة، ولكن العنوان الذي أُطلق في قمّة الرياض لوقف المدّ الإيراني وإسقاط الإسلام السياسي المسلّح أعاد الحسابات إلى نقطة الصفر. كلّ الحسابات الروسية والإيرانية التي بُنيّت على الاستراتيجية الأميركية السابقة منذ العام 2008 تبدو خارج حسابات الإدارة الجديدة الأمر الذي أوجد نوع من الإنتكاسة في التفاهمات الضمنية ولاسيما تلك الروسية الإيرانية.
إنّ التطور الميداني الذي تجلّى بإسقاط قوات التحالف طائرة سورية في أجواء الرقة دليل قاطع على إصرار الولايات المتّحدة على عدم إفساح المجال أما النظام السوري وحلفائه بالوصول إلى دير الزور، والتصريحات الروسية النارية التي أطلقها وزير خارجيتها باعتبار الأهداف الجوية غرب نهر الفرات أهداف معاديّة وإعلانه عن وقف التنسيق الجوي بين موسكو وواشنطن يؤشر إلى رغبة أميركية واضحة بإقصاء المعسكر الروسي عن الحدود السورية العراقية بالرغم من إصرار الفريقين ، لاسيما وزير الخارجية الأميركي ووزير الخارجية الروسي، على ضرورة التعاون لحلّ الملف السوري والاعتراف الأميركي بالمصالح الروسية في وسط وغرب سوريا بل واعتبارها ضرورية للإستقرار. المحاذير الأميركية واضحة، عدم القبول بوصول قوات إيرانية إلى الحدود الأردنية وعدم القبول باستمرار تمدّد النفوذ الإيراني.
شرعية الأنظمة القائمة مستمدة من حماية حدودها. هذا أمر مطروح على السلطات في كلّ من العراق وسوريا ولبنان. فليس من قبيل الصدفة أن يلاقي الجيش العراقي وقوات من العشائر المحليّة الجيش الأميركي إلى معبر الوليد المقابل لمعبر التنف، ولن يكون مستغرباً أن تلاقي القوات العراقية قوات سوريا الديمقراطية إلى معبر القائم. النتائج الميدانية الجديدة توحي بأنّ ثمة إنقلاباً على ما قبل قمّة الرياض. فهل تكون الرياض مقدّمة لمؤتمر يالطا شرق أوسطي يُعيد توزيع النفوذ في المنطقة إنطلاقاً من الخليج العربي؟
