رادار نيوز – نظّمت كلية العلوم في جامعة الروح القدس- الكسليك مؤتمراً بعنوان “تقويم النفايات في لبنان” في قاعة جان الهوا، بحضور نائب رئيس جامعة الروح القدس الإداري للقطاع العام والخبير البيئي ورئيس الجمعية اللبنانية لتقدّم العلوم (LAAS) البروفسور نعيم عويني، مدير عام قطاع البترول في وزارة الطاقة والمياه أورور فغالي، عميد كلية العلوم الدكتور بديع باز، عميدة كلية العلوم الزراعية والغذائية الدكتورة لارا واكيم، عميد كلية العلوم في جامعة القديس يوسف البروفسور ريشار مارون، رئيس قسم الكيمياء في جامعة القديس يوسف والمؤسس المشارك لشبكة معالجة نفايات المستشفيات في لبنان الدكتور دومينيك سلامة، مؤسس شبكة معالجة نفايات المستشفيات في لبنان والمتخصص في إدارة النفايات الدكتور داني العبيد، مسؤول تنفيذ مراكز فرز النفايات القابلة للتدوير في جمعية Arc en ciel السيد كريستابور ديرسركيسيان، وعدد من المهتمين والمتخصصين بشؤون البيئة بالإضافة إلى الأساتذة والطلاب.
باز
بدايةً كانت كلمة ترحيبية لعميد كلية العلوم د. بديع باز أشار فيها إلى “عمق مشكلة النفايات في لبنان وجديتها في ظل غياب خطة وطنية لمعالجتها وإعادة التدوير. فمن الضروري، أن تلحظ أي خطة لإدارة النفايات مبدأ تقليص حجم النفايات من خلال إعادة التدوير ما يساعد على المحافظة على البيئة ويضمن صناعة مستدامة تدعم بدورها الاقتصاد الوطني”.
واعتبر أنّ “النقص في الأموال، وضعف الدراية التقنية، وغياب المطامر الصحية الكافية والخلافات السياسية دفعت بالبلديات والجهات المختصة إلى عدم إيلاء موضوع النفايات الحصة الأكبر من اهتماماتها. فنتج عن ذلك ظهور مكبات عشوائية غير شرعية في كل المناطق اللبنانية خلّفت مشاكل بيئية واقتصادية وصحية”.
عويني
ثم ألقى نائب رئيس جامعة الروح القدس الإداري للقطاع العام والخبير البيئي ورئيس الجمعية اللبنانية لتقدّم العلوم (LAAS) البروفسور نعيم العويني كلمة، أكّد فيها أنّ “هذا المؤتمر يهدف إلى جمع الخبراء في محاولة لإيجاد حل مناسب مستدام وعملي لهذه الأزمة التي تهدد حياتنا وصحتنا”، محذراً من “مخاطر حرق النفايات الذي يؤدي إلى انبعاث غازات سامة، تقلّص المساحات الخضراء التي توفر بيئة للقوارض والحشرات والبكتيريا والفيروسات الناقلة للمرض، انبعاث روائح كريهة من المواد الجديدة التي تنتج بفعل الحرق، إمكانية تسرّب هذه المواد إلى الأنهر والبحار وتلويثها، تلوث المساحات الخضراء والجو والهواء والمياه وحتى التربة التي تُروى بالمياه الملوثة، تدمير بعض المواد التي لن تستطيع إعادة تدويرها أو الاستدامة في إنتاجها واستهلاكها مثل الورق والكرتون والبلاستيك”.
وأردف: “معظم نفايات لبنان هي عضوية وتزيد نسبة الرطوبة فيها عن 60%، كما أنّها تحتوي على نسبة عالية من المواد الخاملة (أي مواد لا طاقة فيها)، لذلك فإنَ حرقها يحتاج إلى الكثير من الوقود لتشتعل ما قد يزيد نسبة التلوّث البيئي”.
وفي ختام كلمته، دعا الدولة إلى “اعتماد استراتيجية وسياسة لتخفيف إنتاج النفايات وزيادة نسبة التدوير بهدف الوصول إلى أقلّ نسبة ممكنة من النفايات التي تنتهي في المطامر، فهذه النسبة يمكن أن تكون أقل من 10% من مجمل النفايات المنتجة. وهذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى حل مستدام وبيئي يحافظ على طبيعة لبنان وعلى صحة المواطن”.
سلامة
كما تحدّث رئيس قسم الكيمياء في جامعة القديس يوسف والمدير المشارك السابق لشبكة معالجة نفايات المستشفيات في لبنان الدكتور دومينيك سلامة معتبراً هذا اللقاء بمثابة “طرح تفكير منطقي يقودنا إلى حلول ملموسة ومستدامة لأنّنا، منذ بداية الأزمة في لبنان، لم نسمع سوى بتقنيات من دون الحديث عن استراتيجيات تشترط تدخّل المتخصصين للقيام بحسابات علمية حول حجم النفايات وطبيعتها. ولابدّ لهذه الاستراتيجيات أن تكون مستدامة على الصعيد البيئي والاقتصادي والاجتماعي لجهة محافظتها على البيئة، وخلق فرص عمل وهامش وطني وهوية ثقافية جديدة؛ وهذا ما نفتقده تماماً في لبنان”.
كما أكّد أنّ “المشكلة ليست بوجود النفايات لأنّ من الممكن إعادة استعمالها في عمليات ومجالات أخرى كمادة أولية، إنما المشكلة الأساسية تكمن في تراكم النفايات بسبب التخلص منها مباشرةً وإنتاجها بمعدلات تفوق قدرة استيعاب الوسائل المتاحة. ولحل هذا التراكم، ينبغي، أولاً، تقليص إنتاج النفايات أي تقليص شراء المواد التي لا تحتاج إليها أكان على المستوى الصناعي أم المؤسساتي أم الشخصي في المنازل، الأمر الذي يعكس تغييراً جذرياً في المجتمع الاستهلاكي اللبناني، وثانياً، إنشاء معامل للتدوير”. وشدّد على “ضرورة الابتعاد عن تقنية حرق النفايات لأنّ النفايات في لبنان هي نفايات رطبة تحتاج، بطبيعة الحال، إلى كمية كبيرة من الوقود وبالتالي تصبح تقنية مرتفعة التكلفة”.
وخلص، في الختام، إلى “ضرورة إرساء تفاعل بين المجتمع العلمي والمجتمع المدني بهدف التوصل إلى حلول ذكية وحقيقية وعملية، قيام المدارس والجامعات بنشر تربية وطنية تشجّع خفض الاستهلاك الضخم العشوائي بالإضافة إلى تشريع قوانين تلزم الشعب وتحثّه على فرز النفايات وتسهّل إنشاء مراكز الفرز ومعامل إعادة التدوير”.
العبيد
وكانت مداخلة للمدير السابق لشبكة معالجة نفايات المستشفيات في لبنان والمتخصص في إدارة النفايات الدكتور داني العبيد حول “شبكة معالجة النفايات الطبية الناتجة عن مختلف الأنشطة الصحية في المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى”، مشيراً إلى أنّ “النفايات الطبية قد شكّلت مشكلة خطيرة في لبنان في أوائل العام 2000 لأنّ وضعها في أماكن مكشوفة غير مدروسة يؤدي إلى مخاطر سلبية على الإنسان، قد تكون مباشرة مثل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، أو غير مباشرة مثل تلوّث المياه والهواء والتربة”.
وأضاف أنّ “حل مشكلة النفايات الطبية يكون إمّا بتصديرها إلى الخارج وإمّا بحرقها. ولا يغفل عن أحد الأضرار البيئية والبشرية الخطيرة التي يخلّفها حرق النفايات، من هنا، يبرز فرز النفايات ومعالجتها كالحل الأمثل نظراً إلى تأثيره البيئي المقبول وفعاليته الكبيرة وتكلفته المربحة. وبهدف الوصول إلى حل وطني شامل لموضوع النفايات يضمن جودة عالية للخدمات، لابدّ من توفير التمويل العام وتنظيم المنافسة وإشراك المنظّمات غير الحكومية كمنظمة Arc en ciel التي بدأت عملها منذ العام 1995 منجزةً مراكز فرز في مختلف المناطق اللبنانية”.
ديرسركيسيان
وكان لمسؤول تنفيذ مراكز فرز النفايات القابلة للتدوير في جمعية Arc en ciel السيد كريستابور ديرسركيسيان مداخلة تطرّق فيها إلى موضوع “نفايات البلديات وبعض الخطوات البسيطة التي يمكن أن تعتمدها لإدارة النفايات بطريقة سليمة”. وأوضح أنّ “إنتاج النفايات يختلف من منطقة إلى أخرى ومن فصل إلى آخر، فيكون مرتفعاً في المدينة وخلال فصل الصيف فيما ينخفض في المناطق الجبلية والأرياف وخلال فصل الشتاء. ويبلغ معدل الإنتاج الفردي للنفايات 0.83 كلغ يومياً وفق دراسة أجرتها جمعية Arc en ciel، وهو معدل مقبول نسبياً”. وفي موضوع إدارة النفايات، اعتبر ديرسركيسيان أنّ “التقنية الأفضل، بحسب الخبراء، هي تقليص إنتاج النفايات، ثم إعادة استعمالها وتدويرها، وتبقى التقنية الأخيرة التي يُنصح اللجوء إليها هي الحرق لأنها تؤدي إلى إطلاق الكربون الموجود في النفايات بالهواء”.
وقدّم شرحاً عن طرق تصنيف النفايات حسب مصدر إنتاجها أو مخاطرها، أو وفق وسائل معالجتها مشيراً إلى أنّ “Site Net قد أجرت دراسة في شهر نيسان من العام 2014 بينت من خلالها أن نسبة النفايات القابلة للتدوير بما في ذلك الزجاج تبلغ 36%، والنفايات العضوية 53% والنفايات النهائية 11%.
وعرض فيلماً قصيراً يظهر مراحل معالجة النفايات القابلة للتدوير في مركز فرز صغير في Arc en ciel بدءاً من الفرز وصولاً إلى الرّص والهرس على أن يُصار إلى نقل المواد إلى معامل إعادة التدوير. وأكّد أنّ “هذه التقنية هي في منتهى البساطة من حيث تنفيذها وتشغيلها وصيانتها ونحن نعمل مع البلديات على إنشاء هكذا مراكز”. كما أشار إلى أنّ “مراكز فرز Arc en ciel قادرة على استيعاب 6 طن من النفايات يومياً، ولكننا نقوم باتصالات مع متخصصين ونجري أبحاثاً لزيادة هذه الكمية لتصبح 40 طناً في اليوم بمساحة لا تزيد عن 800 متر مكعب تقريباً”.
ودعا، في نهاية كلمته، إلى “تعزيز مبدأ الاستهلاك المسؤول ومواصلة الأبحاث بهدف التوصل إلى مواد قابلة للتدوير لها أمد حياة طويل وإيجاد تقنيات جديدة لمعالجة مواد التغليف والتعبئة غير القابلة للتدوير. أما بالنسبة إلى النفايات العضوية، فينبغي تخميرها بهدف إعادة المغذيات إلى التربة. وتتميّز تقنية التخمير باحتياجها لمساحة كبيرة ولكنها لا تتطلّب تكلفة عالية ولا تقنيات معقّدة. وهي أفضل تقنية أمام البلديات لا سيما في ظل اللامركزية السائدة في إدارة النفايات”، مؤكداً “استمرار جمعية Arc en ciel بعملها الهادف إلى تطوير لبنان”.
وانتهى المؤتمر بحلقة نقاش بين المحاضرين والحضور.