الحياد اللبناني… وهم أم حقيقة – العميد وجيه رافع

Saturday, 11 July 2020, 10:37
465 views

رادار نيوز – العميد وجيه رافع

الحياد اللبناني… وهم أم حقيقة

يعود مصطلح الحياد اللبناني مجدداً الى الظهور في لبنان، بحيث تدعو العديد من الشخصيات اللبنانية الى السعي الحقيقي له والبدء بتسويقه اقليمياً ودولياً،لكونه يشكل خشبة الخلاص الحقيقية للبلاد، والمدخل الاساسي لابتعاد الجميع عن لعبة الدم المستعرة في المنطقة باضطراد ،واعادة الاستقرار السياسي والامني الى البلاد

تأتي هذه الدعوات، وآخرها من البطريرك بشارة الراعي، في ظل اعتقاد سائد ان هذا الحياد قد يحصل من خلال توافق محلي واقليمي ودولي، علّه يشكل مصلحة مشتركة للجميع ويساهم في استقرار النظام السياسي اللبناني

في الحقيقة، ان هذه النظرية التفاؤلية بامكانية تحقيق توافق اقليمي ودولي حول حيادية لبنان بحاجة الى تعمق كبير لانها لا تستند الى اي واقع جدي داعم لها، انطلاقاً من المصالح الدولية المختلفة والحاجة الجيوبوليتيكية التوظيفية للجغرافيا اللبنانية في الاقليم

واذا افترضنا ان تلك الامكانية قائمة فالسؤال الاول والاساسي هو :من سيحمي هذا الحياد اللبناني لتحقيقه وتدعيمه في منطقة استراتيجية ملتهبة، وقد سبق وشرحنا العجز اللبناني في هذا الاطار ، وهل هوية هذا الحامي المفترض هي هوية حيادية، ام ان هذا الحياد قد يكون نتيجة لتوافقات اقليمية ودولية تعقد لاجله المؤتمرات الدولية لاقراره وتحديد مقوماته وشروطه وادواته

لا يبدو في الافق اي رؤيا واقعية للحياد الافتراضي المقترح، فمصالح اللاعبين المؤثرين في لبنان والمنطقة ما زالت بحاجة الى الساحة اللبنانية لتحقيق مصالحها واهدافها المختلفة

لبنان! تلك الجمهورية الجميلة المجنونة التي هدرت وقتاً كبيراً في اعتزازها بجمالها،لكن جنونها وجنون حراسها وشعوبها حرمتها من الحد الادنى المطلوب لتأطير العقل الارادي الاساسي لقيام دولة مستقرة بمؤسساتها ووظائفها، لا بل عكس ذلك تماماً، فقد ساهم اللبنانيون جميعاً منذ قيام الجمهورية، الى تحويل وطنهم ساحة تشغيلية توظيفية مستباحة لألاعيب اللاعبين استُخدمت لتحقيق اغراض واهداف في اكثر من مكان في الاقليم والعالم،
فالجمهورية اللبنانية بكافة مؤسساتها دون استثناء لا تختزن اي فهم حقيقي لأمن البلاد القومي، الامر الذي مكّن جميع الدول تقريباً من ان تكون قادرة على خرق أمنه المفكك متى شاءت او رغبت بذلك،ليُطرح السؤال هنا:هل انتهت المصلحة والحاجة الاقليمية والدولية الى هذه الخاصية “الرائعة”، دولة بجسد لا عقل فيها ولا تفكير، حكَمها ويحكمها حمقى، فاسدون ومجانين

دعونا نعدّد بعضاً من استخدامات مختلف اللاعبين في ساحتنا اللبنانية المفككة ،فلبنان كان عبارة عن ارض خصبه استُخدمت في عمليات التأثير على الوعي الجماهيري في المنطقة، فلطالما انطلقت بذور هذا التأثير من الداخل اللبناني، تفنن اللاعبون في اللعب بالعواطف والثقافات والافكار والاحلام،فمن لبنان انطلقت العديد من الهويات الجنونية للمنطقة، يتلاعبون فيها متى أرادوا ورغبوا بذلك،تراقصوا وتراقصنا معهم في تحقيق الوعي المطلوب لمصالحهم، من وعي قومي عربي الى وعي قومي اسلامي، ومن خطاب يساري الى خطاب يميني، ومن اسلامي معتدل الى اسلامي متطرف، لنكتشف مؤخراً على وعي جديد، قام بقوة من كبوة عمرها آلاف السنين، وعي اختزن معه الاحقاد والاخطار والروايات، وعي دمّر المنطقة عن بكرة ابيها، هو الوعي السني-الشيعي المأزوم والذي تم استحضاره بقوة كبيرة ،وقد كان لبنان احد اهم ركائز هذا الاستحضار

واستطراداً، ألم يستخدم لبنان الساحة في جعل سوريا العميقة تغرق في تناقضات البلاد الطائفية، لتسبب بذلك انقسامات عربية- عربية خطيرة ، بدت للوهلة الاولى سياسية، ولتتكتشف لاحقاً عن عمق مذهبي سني- شيعي لها في لبنان وسائر دول الاقليم،
فهل اكتفت الاشباح الصهيو- متلونة، والمقيمة باستمرار في البلاد من حاجتها للبنان الساحة،ولكي تهدي اللبنانيين الطيبين هدية الحياد بكل محبة وسرور، وهل من دور او قيمة للمحبة في العلاقات الدولية،بكل اسف لم تنتهي مصالح اللاعبين في لبنان لتاريخه، لا بل ما زالت قائمة وقوية ومستمرة

ألم يُستخدم لبنان، وما زال، كمخزن احتياطي للتجميع العشوائي لازمات التهجير الديمغرافي في المنطقة، الفلسطينيين سابقاً،والنازحين السوريين حالياً، ولم يعرف لتاريخه ماذا تخطط الغرف الحالكة في مستقبل هؤلاء، والذي قد يتحول الى توطين دائم في البلاد، تبعاً لمصالح الكبار، اذ ان رسم خرائط الديمغرافيا الاقليمية بألوانها الحمراء القاتلة ما زالت قائمة، ولا مصلحة للاعبين المؤثرين حالياً في حياد لبنان، فهم ما زالوا بحاجة اليه والى ساحاته وشعوبه وغرفه السوداء الحاضرة دوماً وبسهولة، الى توليد اجنّة اختبارية متعددة الاستخدامات تماماً كما تم توليد العديد منها سابقاً، من فتح الاسلام الى عصبة الانصار وجند الشام وغيرها الكثير من المنظمات المتطرفة والتي يتم توليدها في لبنان، وتسعير خطرها وتوظيفها وفقاً لمصالحهم ومن ثم تختفي تلقائياً بقدرة شبح ساخر

بكل أسف، ان البلاد عبارة عن مختبر جيو -طوائفي تم استخدامه لانتاج العصبيات التائهة، ومن خلال الدولة المختبر، استطاعوا دائماً خرق امن البلاد القومي وتوجيه رسائل غب الطلب الى دول الاقليم، وكان هذا الخرق يحصل دون الحاجة الى اي تفاقمات او مقدمات مع الدولة الاختبارية، وعلى سبيل المثال فقط، ألم تؤدي الاعتداءات الاسرائيلية الكبيرة على لبنان في العام ١٩٩٣ ،الى مسارعة الاردن اذعاناً الى وادي عربة العام ١٩٩٤، وهرولة الرئيس الراحل عرفات الى اتفاقية أوسلو، تلك الاتفاقية الدراماتيكية الهزلية، واستطراداً ألم تضغط عملية عناقيد الغضب العام ١٩٩٦،في تسريع العديد من دول الخليج الى بلورة بدايات علاقات مع اسرائيل، بدت سرية في مراحلها الاولى، وسرعان ما تحولت الى مكاتب تمثيل وممثلين علنية وكاملة، فلنعتمد اليقين ولنجهر صراحة،بكل أسف،هذا هوالواقع، وهذا هو دور البلاد،تلعب فيه الاشباح لعبتها ،وهو في غياب تام،انه الدولة الاختبارية، والساحة الرسالة

ان طرح الحياد حالياً بتوافق اقليمي ودولي،هو طرح سوريالي بامتياز،تعوزه الحجة والمنطق ،ويكتنفه الغموض واللايقين،لان لبنان ما زال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجيوبوليتيك المنطقة، ابتداءً من الوجود الفلسطيني والسوري فيه، وصولاً الى حقول الغاز ومحاولة ربطها في الشبكة الاسرائيلية- الاوروبية مستقبلاً، بالاضافة الى تعقيدات المشاكل الحدودية البرية والبحرية، وحاجة اسرائيل الدائمة الى المجال الجوي اللبناني حالياً وفي المستقبل لمناوراتها الجوية انطلاقاً من اجواءه، بهدف التأثير في سياقات مستقبل المنطقة، بالاضافة الى ذلك ،ما زال من المبكر جداً ،وضوح مستقبل المصالح الايرانية في سلة المشرق العربي المتهاوي والمفكك، وكذلك الغموض الكبير الذي يلف الدور الروسي، والذي تطور من حاجة روسيا الدائم الى موقع دافئ لها في المياه الدافئة على السواحل السورية، الى السيطرة على الوسط السوري وصولاً الى جنوب البلاد وحاجتها الجديدة الى موقع بارد على سفوح جبل الشيخ، تلك السفوح التي تتميز باطلالات استراتيجية، على الحوض الشرقي للمتوسط من جهة،وعلى عمق البادية المشرقية – العربية بكاملها من جهة اخرى،فهل سيسمح الاميركيون وحلفاءهم بذلك،
وما مصالحهم اذن في الحياد اللبناني في هذه الصورة القاتمة والملبدة في الاقليم

بكل أسف،يتعامل الجميع مع لبنان بأنه ذلك السائل اللزج، وهم يؤجلون اختيار وعاء حقيقي لهذا السائل، ولن يختاروه قبل معرفة اتجاهات الرياح المستقبلية في المنطقة بكاملها، ولقد تعلمنا في قانون الفيزياء ان السائل يأخذ دوماً شكل الوعاء الذي يوضع فيه
العميد وجيه رافع

Leave a Reply

إضغط هنا

Latest from Blog

OMG!OMG!:Проблемы с доступом к OMG! Маркетплейс

Ищете рабочую ссылку на OMG! Маркетплейс? В последнее время это стало сложной задачей из-за частых атак на платформу, особенно в выходные дни. Пользователи сталкиваются с трудностями при попытке получить доступ к сайту

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ОНИОН ССЫЛКА | КРАКЕН DARKNET ОНИОН ССЫЛКА НА САЙТ | KRAKEN САЙТ ДАРКНЕТ Модерация КРАКЕН ССЫЛКА ДАРКНЕТ ОНИОН: Баланс между анонимностью и безопасностью https://kra-31.cc Что такое ссылка КРАКЕН онион даркнет

КРАКЕН ДАРКНЕТ/КРАКЕН ОНИОН/ КРАКЕН ССЫЛКА

KRAKEN DARKNET ONION| KRAKEN ССЫЛКА ДАРКНЕТ ONION| KRAKEN ОНИОН ССЫЛКА DARKNET Как Стать Анонимным НА КРАКЕН ДАРКНЕТ ССЫЛКА: Руководство для Новичков? https://kra-31.cc Как Стать Анонимным в КРАКЕН ССЫЛКА: Руководство для Новичков kraken

КРАКЕН DARKNET/ KRAKEN ССЫЛКА/ KRAKEN ОНИОН

KRAKEN DARKNET| KRAKEN ONION| KRAKEN ССЫЛКА| KRAKEN ССЫЛКА ONION| KRAKEN ДАРКНЕТ Как найти оригинальный сайт Кракен onion и не попасть на поддельный: Полное руководство https://kra-31.cc Что такое ссылка kraken darknet В современном
Go toTop