رادار نيوز – كثُرت التحليلات السياسية “لسابقة” إستقالة الرئيس سعد الحريري المعلنة من خارج الحدود الوطنية، وتراوحت هذه التحليلات بين اعتبار الاستقالة خارجة عن إرادة الرئيس الحريري الذي قدمها تحت أنواع عديدة من الضغوط السياسية والمعنوية والمادية، بين اعتبار دولته في الإقامة الجبرية في المملكة العربية السعودية، وغير ذلك من الأحاديث المعلنة في كافة وسائل الإعلام على اختلافها.
هذا كله في الاطار السياسي، لكن كيف يمكن قراءة أثر هذه الإستقالة على عمل الحكومة الحالية من الناحية الدستورية؟ استنادآ الى الظروف الغامضة التي أحاطت باستقالة الرئيس الحريري، وعدم إحاطته لرئيسي الجمهورية والمجلس النيابي بحقيقة الأمور، أعلن فخامة الرئيس تريثه في قبولها ورفضه لها الى حين عودة دولته الى لبنان ليبني على الشيء مقتضاه، مع العلم أن المادة 69 من الدستور التي تحدثت عن الحالات التي تكون فيها الحكومة مستقيلة لم تتطرق الى إلزامية قبول رئيس الجمهورية لإستقالة رئيس الحكومة، مما يؤشر على أن قبول الاستقالة هو نتيجة تلقائية وطبيعية للتجاوب مع إرادة رئيس الحكومة التي تظهّرت بالاعلان عن استقالته.
من ناحية ثانية لم ينص الدستور على طريقة وشكل تقديم الاستقالة.فلم يشترط ان تقدم بالشكل الخطي.إلا أن العرف الدستوري المعمول به والسائد في ظل انتفاء النص الدستوري الواضح والصريح، يقتضي(حتى ولو تم الاعلان عن الاستقالة بموجب خطاب او مؤتمر صحفي) أن يزور رئيس الحكومة رئيس الجمهورية ويقدم اليه خطيآ استقالة الحكومو، انطلاقا من الرمزية التي يمثلها فخامة الرئيس، وكونه المؤتمن على الدستور والمؤسسات، اضافة الى ان النظام الدستوري اللبناني يأخذ بثنائية السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية من جهة والحكومة بما فيها رئيس الحكومة من جهة ثانية. وهذا ما حصل مرات عديدة، حيث تم الاعلان عن استقالة الحكومة من قبل رئيسها الذي توجه بعدها الى لقاء رئيس الجمهورية وتقديمه خطيا كتاب الاستقالة اليه، وذلك خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2013، وحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2004، وحكومة الرئيس سليم الحص عام 1990.
ويستتبع تقديم الاستقالة امام فخامة الرئيس تكليفه لرئيس الحكومة المستقيل الاستمرار بتصريف الاعمال لحين تكليف رئيس حكومة جديد يتولى تشكيل الحكومة الجديدة. وتكليف رئيس الحكومة بتصريف الاعمال يفترض وجوده في لبنان، من هنا شكلت استقالة الرئيس الحريري من خارج الحدود الوطنية سابقة في الحياة السياسية اللبنانية ونمطآ غير مألوفا في التعاطي بين ركني السلطة التنفيذية. وطالما أن الرئيس الحريري ما زال خارج الاراضي اللبنانية فإن الحكومة الحالية لا يمكنها ان تجتمع وتمارس مهامها الدستورية، لأن المادة 64 من الدستور تنص عل أن رئيس الحكومة هو الذي يدعو مجلس الوزراء للانعقاد ويضع جدول أعماله.
ومع أن رئيس الجمهورية يمكنه وفقآ للمادة 53 من الدستور دعوة الحكومة استثنائيا للانعقاد إلاّ أن هذه الصلاحية مشروطة بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ومن الطبيعي ان الاتفاق على دعوة الحكومة بشكل استثنائي وطارئ يتطلب وجود الرئيس الحريري في لبنان لكي يتفق مع رئيس الجمهورية على هذا الموضوع ولكي يحضر هذة الجلسة التي يترأسها رئيس الجمهورية. لكن في غياب رئيس الحكومة هل يحق لنائب رئيس الحكومة توجيه الدعوة لمجلس الوزراء للاجتماع؟ ليس هناك من نص دستوري او قانوني ينص على هذه الصلاحية، كذلك لم يشر المرسوم رقم 2552 عام 1992 المتعلق بتنظيم أعمال مجلس الوزراء الى هذا الأمر، وجُلّ ما نجده هو نص المادة 19 من المرسوم المذكور التي تتحدث عن تفويض رئيس الحكومو لمن يشاء من الوزراء بإعطاء المعلومات الرسمية عن المواضيع التي بحثت في جلسة مجلس الوزراء.
على عكس ما هو الحال فيما يخص منصب نائب رئيس مجلس النواب، حيث تنص المادة(6) من النظام الداخلي للمجلس النيابي على أن يتولى نائب الرئيس صلاحيات الرئيس في حال غيابه او عند تعذر قيامه بها.ومن هذه الصلاحيات دعوة المجلس للانعقاد، إذ ورد في المادة 54 منه أن نائب الرئيس يعين عند تعذر قيام الرئيس بمهامه مواعيد الجلسات ويطبق جدول الأعمال ويضبط ادارة الجلسات ويدير النقاشات. استنادآ لما تقدم لا تستطيع الحكومة الحالية الاجتماع واتخاذ القرارات لحين عودة الرئيس الحريري الى لبنان والبت بموضوع الاستقالة، وتكليفه الاستمرار بتصريف الاعمال.
