رادار نيوز – 12 ايلول 2017
لا يختلف سير المعارك في دير الزور عن نموذج القلمون الشرقي وتلعفر وجرود عرسال إلا فيما يتعلّق بنقليات البادية التي فرضتها المسافة الطويلة بين القلمون ودير الزور. النموذج عينه يتكرر. يلملم أمراء الحرب ومستثمروها في سوريا أوراقهم، إذ لا جدوى من المزيد من الخسائر المجانية، ويهرولون نحو دير الزور. فرسٌ وعربٌ وكردٌ، روسٌ وأفغانٌ، لبنانيون وسوريون وشيشانيون، أفارقة وشرق آسيويون، غفلوا جميعاً عما قالوه وسمعوه من قبل ولا يكادون يستذكرون، جميعهم سكارى وما هم بسكارى لكلّ منهم شيء يعنيه. يوم دير الزور سيكون يوماً عظيماً.
في دير الزور، شراكة في القتال بين خصوم الأمس. يعترف إعلام التحالف الغربي، على لسان قوات سوريا الديمقراطية، بأنّ بقعة عمله تنحصر في شرق نهر الفرات، وإنّه وإن تقابل مع قوات النظام فلن يكون هناك مواجهة بينهما. في غرب النهر إعلام آخر، لا ينفك يصدح بإعلان الإنتصارات وتلاوة البلاغات العسكرية دون خجل، على وقع ضربات جويّة سددها العدو الإسرائيلي إلى منشآت عسكرية في ريف حماه وأدّت إلى سقوط جنديين في الموقع، وطبعاً دون أي ردّ من النظام المنتصر دائماً وأبداً على شعبه.
خطفت الحدود السورية العراقية، وتحديداً من بوابتها في البوكمال، ألق الحدود اللبنانية السورية. خروج طريق بغداد البوكمال عن سيطرة النظام وحزب الله والميليشيات الإيرانية يعني المجازفة باستمرار تدفق السلاح والدعم الإيراني على أنواعه عبر سوريا، ويعني تهديد محور بيروت طهران. بوابة البوكمال هي اختبار للإتّفاق الروسي الأميركي حول مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، وتضمين اتّفاقات خفض التوترـــــ التي تتمّ برعاية أميركية روسية ـــــ التزامات روسية بالموافقة على إقفال بوابة البوكمال بوجه اللوجستية الإيرانية، ستكون المدخل لبداية الإفتراق الروسي الإيراني . لقاءات لافروف الجُبيّر في جدّة والإتّفاق حول تفعيل مناطق خفض التوتر وضرورة توحيد المعارضة، في الوقت الذي يطلب فيه التحالف الدولي من الجيش السوري الحرّ إخلاء مواقعه في البادية وتسليمها لجيش النظام، تشكّل مؤشرات لوجود تفاهمات حول مستقبل البادية ومستقبل الحدود السورية العراقية. الهرولة الوديّة على ضفتي النهر الفاصل باتّجاه دير الزور توحي بضبابية في الرؤيا لدى القلقين على مستقبل المعبر نحو الداخل السوري.
نقطة التقاطع الأميركية الروسية السعودية الوحيدة هي عدم السماح لأيّ أيديولوجية دينية أن تكون منطلقاً لمشروع سياسي عابر للحدود، وهذا ينسحب على الإيديولوجيات كافة داعشية كانت أو إخوانية أو إيرانية، وربما يكون الحصار السياسي المفروض على تركيا وإخراجها من اللعبة الإقليمية إحدى إشارات خروج الإسلام السياسي كنظام حكم مقبول من الشرق الأوسط.
بإنحسار العنف في سوريا مع انحسار الصراع على ضفتيّ الفرات في دير الزور، ومع تثبيت منطقة خفض التوتر في الجزيرة السورية التي ستشمل إلى دير الزور محافظتي الرقة والحسكة، تدخل العملية السياسية في مسارها الطويل. التسوية السياسية في سوريا لن تقتصر مفاعيلها على سوريا فحسب. صحيح أنّها في البداية تسوية سورية ــــ سورية، ولكنها لا يمكن إلا أن تكون تسوية سورية ــــ عراقية ولبنانية ــــ سورية وتركية ـــــ سورية في نفس الوقت. تفكيك الفصائل المسلّحة السورية وغير السورية وتجريدها من سلاحها ووقف تدفق السلاح إلى الداخل السوري هو عقدة التسوية وسيكون في طليعة شروطها. حدود سوريا هي مصدر قلق لكلّ الدول المحيطة بها وأمن الحدود السورية اللبنانية لا يمكن أن يستتب إلا باستتباب أمن الحدود السورية ـــ العراقية.
إعادة القرار 1559 إلى الواجهة والسعي إلى تطبيقه بشكل أفضل بما يتضمّن من بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية في ظلّ العملية العسكرية التي خاضها الجيش اللبناني على الحدود الشرقية يبدو غير كافٍ. الحرص الدولي على أمن لبنان يجب أن يبدأ من الحدود السورية ـــ العراقية وأمن لبنان بأمسّ الحاجة إلى 1559 سوري.